مقابلة | إيطاليا دولة أشباح في زمن كورونا

حوّلت أزمة انتشار فيروس كورونا في إيطاليا الدولة إلى مدينة أشباح وعمقت آلام من فقدوا أقاربهم خلال الأيام الأخيرة، إذ لا يمكن إجراء المراسم الجنائزية التقليدية بسبب قيود الحجر الصحي، ولا يحظى أهالي الموتى بوداع أعزائهم الأخير.

مقابلة | إيطاليا دولة أشباح في زمن كورونا

صور من روما خاصة لـ"عرب 48"

حوّلت أزمة انتشار فيروس كورونا في إيطاليا الدولة إلى مدينة أشباح وعمقت آلام من فقدوا أقاربهم خلال الأيام الأخيرة، إذ لا يمكن إجراء المراسم الجنائزية التقليدية بسبب قيود الحجر الصحي، ولا يحظى أهالي الموتى بوداع أعزائهم الأخير.

وقال عبد الحكيم نصيرات، أصله من مدينة الطيبة، يسكن في العاصمة الإيطالية، روما، منذ عشرات الأعوام، لـ”عرب 48” إن “المتنزهات والمرافق العامة والمجمعات كانت تعج بالناس على الرغم من الإعلان عن إصابات بفيروس كورونا، بيد أن إجراءات الوقاية تأخرت، والحكومة تهاونت وأصبحت إيطاليا دولة أشباح إثر تفاقم انتشار فيروس كورونا. وتجاوزت حالات الوفاة الألفين وتعدت الإصابات العشرين ألف إصابة، والأوضاع أشبه بحالة فقدان السيطرة رغم إعلان حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية الصارمة، ويبدو أن الحلول لا تلوح بالأفق في المدى القريب”.

وأضاف نصيرات أن “حظر التجول في الشوارع أشبه بالحكم العسكري، ويضطر السكان إلى تصاريح من قبل الشرطة لتواجدهم خارج البيت، في حال أوقفتهم دورية، ويجب أن ينص التصريح بأنهم يتواجدون خارج البيت فقط لأمر طارئ وإلا فإنهم سيتعرضون للعقاب”.

أسابيع بعد الإعلان عن عدد من الإصابات بفيروس كورونا لم تقدّر الحكومة الإيطالية حجم الكارثة التي ستواجهها، وعن هذا قال نصيرات إنه "من الطبيعي أن هناك حالة من الغضب من قبل الناس تجاه الحكومة لأنها لم تتخذ الإجراءات الوقائية السريعة، وتساهلت في الأمر حتى أصبح وباء يهدد أمن الدولة كلها".

وروى نصيرات تفاصيل معيشته بعد الإجراءات التي اتخذت للوقاية، وقال إنه "يسمح لنا أن نتمشى في ساحة البيت، وللضرورة إلى الدكان فقط. بتنا نتخذ شراء الحاجيات حجة كي نتنفس خارج البيت. ولا يسمح سوى بنقل راكبين بالسيارة فقط".

الشوارع خالية في روما (عرب 48)

وعن الأجواء في روما، قال إن "إيطاليا لم تشهد مثل هذه الأجواء منذ الحرب العالمية الثانية، هكذا يروون، إيطاليا بطبيعتها دولة حيوية سياحية في الليل والنهار، والوضع الراهن لم تألفه الناس، وفي هذه اللحظات كل شيء معطل، النوادي والمطاعم مغلقة، الشوارع فارغة، تبدو روما مدينة أشباح بعد غروب الشمس. معنويات السكان في الحضيض لأنهم غير لم يعتادوا على هذه الأجواء. روما أشبه بسجن كبير، اعتاد السكان في الصيف والشتاء أن يكونوا في الشوارع، لكن الجميع في حالة خوف ورعب الآن".

وعن أقسى الإجراءات والتعليمات قال نصيرات إن "أشد الإجراءات كان منع الزيارات، إذ يمنع زيارة أكثر من شخص إلى بيت العائلة، على سبيل المثال نحن 7 أشقاء لا يسمح لنا بزيارة بيت الوالدين معا، يجب أن نتعاقب على الزيارة، كل يوم زائر واحد، ويسمح التجمع فقط لثلاثة أشخاص. نحن في البيت لا نجلس بجوار بعضنا البعض، كل منا يتخذ مسافة من الآخر، هذه هي التعليمات، نعم قاسية، ولكن علينا أن نتبعها".

عبد الحكيم نصيرات

وتطرق إلى وضع المستشفيات والكم الهائل من المرضى، بالقول إنه "من الطبيعي أن تنهار المستشفيات وجهاز الصحة في إيطاليا. المشكلة أنه لا توجد أدوية وأجهزة تنفس كافية. لا نتحدث عن أمراض عادية وإنما عن أمراض تحتاج أجهزة تنفس، من الطبيعي إذا أدخل 20 ألف مصاب إلى المشافي ألا تتحمل المشافي هذه الأعداد. والأصغر سنا هو من ينجو من الموت. المشكلة أن غالبية المصابين هم من كبار السن، ونسبة الوفاة بينهم عالية. لا ننسى أن متوسط العمر في إيطاليا 82 عاما، وهذا ما زاد من نسبة الوفاة".

شوارع روما تخلو من الناس (عرب 48)

وعن الأوضاع الاقتصادية أوضح نصيرات: "يبدو أننا أمام أزمة اقتصادية كبيرة في إيطاليا. التعويضات المقترحة من قبل الحكومة مقارنة مع غلاء المعيشة في إيطاليا لا تفي بالمطلوب، إذ نتحدث عن 600 يورو شهريا، والعامل البسيط يتقاضى 2,500 يورو، شخصيا أتقاضى 4 – 5 آلاف يورو، تخيل هذا التعويض البخس”.

ولفت إلى أنه "لا يمكن للناس أن تحتج في هذه الأيام بسبب الأوضاع السائدة، ممنوع تنظيم تظاهرات بسبب منع التجمعات، ولكن أتوقع أن تحدث الكثير من المشاكل في الدولة بعد انتهاء الأزمة، والتي ستليها أزمات اقتصادية".

وختم نصيرات حديثه بالقول: "أتوجه إلى أهلنا في الداخل وكافة أبناء شعبنا في الضفة الغربية بأن يتبعوا التعليمات ويتقيدوا بها ولا يستهينوا بها. لا تخطئوا كما أخطأنا نحن في إيطاليا وكانت النتيجة كارثية. الالتزام بالحجر الصحي وتعليمات المختصين مسؤولية أمام الله يحاسب عليها الجميع".

التعليقات